إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
فتاوى الصيام
143790 مشاهدة
الكحل للصائم

س57: قرأت في بعض كتب الفقهاء أن الكحل من مبطلات الصيام ؟ أرجو التوضيح مع بيان القول الراجح.
الجواب: اختلف العلماء في هذه المسألة:
فعده بعضهم من المفطرات، وقالوا: إن في العين عروقا تتصل بالحلق، وإن العلاج الذي يصب في العين له قوة سريان يحس به في الحلق؛ فلأجل ذلك جعلوا العين منفذا للجوف، فمنعوا الاكتحال الذي له حرارة وقوة، وألحقوا به العلاجات الحديثة مثل المراهم والقطرات، فإنها بمجرد ما توضع على العين تنفذ في العروق وتصل إلى الحلق، ويحس بطعمه؛ ولذلك قالوا إنها مفطرة؛ لأن كل شيء وصل طعمه إلى الحلق وأحس بطعمه واختلط بالريق فلا بد أنه يدخل في الجوف، ولو لم يكن شيئا محسوسا؛ واستدلوا أيضا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالإثمد عند النوم، وقال: ليتقه الصائم رواه أبو داود وغيره.
القول الثاني: وهو اختيار الشيخ تقي الدين: أن الاكتحال لا يفطر؛ لأن العين ليست منفذا محسوسا كالفم والأنف، ولو كان فيها عروق داخلة، فإذا كانت العين منفذا غير محسوس فلا يضر الاكتحال ووصول طعم الكحل إلى الحلق، ولو كان الاكتحال منهيا عنه لورد ذكر النهي في السنة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بد وأنه قد بين لأمته كل شيء يخل بعباداتهم كالصيام، ثم إن الاكتحال شيء معتادون على العلاج به، ولو كان علاج العين ينافي الصيام أو يفطر لنقل لنا، فلما لم ينقل دل على أنه باق على الأصل وهي الإباحة.
أما الحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول فهو ضعيف، والأولى تأخير الاكتحال إلى الليل، فإن كان هناك ضرورة وعالج عينه نهارا فلا بأس. والله أعلم.